ادعمنا

العقد الإلكتروني ووسائل إثباته - The Electronic Contract and the Means of Verification

يشهدُ العالم حاليًا تطورات متلاحقة في مجال نظم المعلومات، والتي رافقها بالتبعية تطور مجال المراسلات، ورغم اعتلاء السند التقليدي لمدى طويل من الزمن قمة الهرم بين أدلة الإثبات كافة؛ إذ كانت التشريعات تستعمل السندَ التقليدي كونه أقوى أدلة الإثبـات التـي يمكـن أن تُقـدمَ للقاضي لإثبات الواقعة مصدر الحق، فإن ذلك لم يدم في ظل ظهور التكنولوجيا الحديثة وثـورة المعلومات والاتصالات وظهور الحاسب الإلكتروني الذي دخل جميع أنحاء الحياة اليومية، حيث أدت هذه الثورة إلى قلب الموازين، فليس لأي باحث أو دارس منا أن يخفي دهشتَه وإعجابه بـالتطور العلمي الهائل الذي أصاب كل مناحي الحياة، فمن كان يتوقع يوما ما أن يستطيع شراء كتب أو ملابس أو أيًّـا من الحاجيات عبر ضغطة زر واحدة.

يضاف إلى ذلك المجالات التجارية الدولية، فالكل أصبح يلمس بوضوح ويدرك أنها صارت أكثر المجالات استجابة للتطورات التقنية، بحكم السرعة والثقة والائتمان التي تميز هذا المجال عن غيره من المجالات، وما يمكننا قوله إن هذه الاستجابة لم تكن حكرا علـى مـشاريع أو منشآت تجارية بعينها، بل عم التطور كل شيء وإن كان بنسب متفاوتة من شركات تجاريـة ضـخمة وبنوك ومصانع وصولًا إلى المشاريع الفردية الصغيرة والمستهلكين العـاديين؛ حيـث قرب الإنترنـت المسافات وجعل العالم كحجرة واحدة، وأصبح من غير الممكن إتمام الأغلبية العظمى من المعاملات دون استخدامه.
مـع هـذا التطـور لوسائل التكنولوجيا الحديثة ظهر السند الإلكتروني (العقد الإلكتروني) وظهرت الكتابة والتوقيـع الإلكترونـي كـأدوات لإثبـات المعاملات الإلكترونية التي تتم عبر وسائل الاتصال الحديثة بمختلف أشكالها، فالتجارة الإلكترونية تؤدي حتما إلى توفير الوقت والجهد، وإلى تشجيع الاستثمار ودفع عجلة الاقتصاد إلى الأمام مواكبةً لما يحدث فـي مختلف دول العالم، لأن المتعاقد لن يحتاج إلى التنقل والسفر.

ويمكن تعريف التجارة الإلكترونية بأنها الأعمال والنشاطات التجارية التي تتم ممارستها من خلال الشبكة المعلوماتية (الإنترنت) وقد عرفتها منظمة التجارة الدولية أنها إنتاج وتسويق وبيع وتوزيع منتوجات من خلال شبكات الاتصال، وقد تطورت التجارة الإلكترونية نتيجة التقدم الحاصل في الاتصالات باختراع أجهزة التلكس، الفاكس، وشبكة الإنترنت التي عرفت تطورا مذهلا، والتي تعد أبرز اكتشاف بالقرن العشرين؛ إذ أسقطت الحواجز المكانية والزمانية بين مناطق العالم المختلفة بظهورها سنة 1957. 

اقتضت هذه التطورات على مستوى التجارة الإلكترونية وشبكات الإنترنت تطوير وتحديث التشريعات؛ من حيث إيجاد نصوص قانونية تكفل الاستفادة من الوسائل التقنيـة الحديثة في إبرام الصفقات التجارية، ونتيجة لذلك قامت بعض الدول بإصدار تشريعات تقنن القوة الثبوتيـة لتلك السندات أو المحررات الإلكترونية، مثال ذلك اجتماع لجنة القانون الدولي في الأمم المتحدة عـام 1995 لوضع نظام قانوني للتجارة الإلكترونية، وفي عام 1996 صدر قانون اليونسترال النموذجي بـشأن التواقيـع الإلكترونية، كما أصدر البرلمان الأوروبي توجيهه بشأن التواقيع الإلكترونية عام 1999.

وعليه نسلط الضوء على العقد الإلكترونـي، ماهيته، تعريفه، خصائصه، شروطه، وسائل إثباته، الضمانات المتعلقة بالتوقيع الإلكتروني، الضمانات المتعلقة بالتشفير الإلكتروني، والضمانات المتعلقة بالكتابة الإلكترونية.

 ولكن قبل التعمق أكثر في صلب الموضوع لا بد من أن نطرح السؤال التالي

 

تعريف العقد الإلكتروني:

العقود الإلكترونية أصبحت ظاهرة من ظواهر التجارة بشكل عام محلية كانت أو دولية، تختلف هذه العقود عن العقود التقليدية في عدة خصائص؛ إذ تتضمن أحكامًا خاصة ناتجة عن طبيعتها، كونها تبرم في بيئة إلكترونية، لذلك وجب الوقوف على ماهية العقد الإلكتروني سواء في ضوء الطريقة التي ينعقد بها العقد أو طبيعته القانونية أو خصائصه.

عرف البعض العقد الإلكتروني بأنه: "الاتفاق الذي يتم انعقاده بواسائل إلكترونية كليًا أو جزئيًا".
وذهب البعض الآخر إلى أنه: " ذلك العقد الذي يتم إبرامه عبر شبكة الإنترنت.. فهو عقد عادي إلا أنه يكتسب الطابع الإلكتروني من الطريقة التي ينعقد بها أو الوسيلة التي يتم إبرامه من خلالها، حيث ينشأ العقد بتلاقي القبول بالإيجاب بفضل التواصل بين الأطراف بوسيلة مسموعة مرئية عبر شبكة دولية مفتوحة للاتصال عن بعد"

فيما عرفت لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي أنسترال في 16 ديسمبر، 1996 وكذلك البرلمان والمجلس الأوروبي، في الاتحاد الأوروبي رقم /9727  والصادر في 20 مايو 1997 باسم التعاقد عن بعد، وجاء في المادة الثانية من هذا التوجيه بأن العقد عن بُعد هو "كل عقد يتعلق بالبضائع أو الخدمات، أبرم بين مورد ومستهلك في نطاق نظام لبيع أو تقديم خدمات عن بُعد، نظمه المورد الذي يستخدم لهذا العقد فقط، تقنية أو أكثر للاتصال عن بعد لإبرام العقد وتنفيذه

هذه هي بعض التعريفات في التشريعات والمنظمات العالمية، وفي المقابل نستعرض بعض التعريفات في التشريعات العربية، وذلك طبقا للتشريعات التي تناولت هذه الأنواع من العقود كالتشريع الأردني وتشريع إمارة دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، وأيضا مشروع التجارة الإلكترونية في مصر.

ففي مشروع القانون المصري جاء التعاقد الإلكتروني بأنه "هو كل معاملة تجارية تتم عن بعد باستخدام وسيلة إلكترونية"

وأيضا عن تعريف تشريعي عربي آخر، يذهب إلى أن التعاقد الإلكتروني هو المعاملات التجارية التي تباشر بواسطة المراسلات الإلكترونية.

كما عُرفت المعاملات الإلكترونية بأنها أي تعامل أو عقد أو إتفاقية يتم إبرامها أو تنفيذها بشكل كلي أو جزئي بواسطة المراسلات الإلكترونية.

 

شروط العقد

يأتي العقد الإلكتروني على غرار الورقي والتقليدي، إذ يستلزم توافر عدة شروط منها:

- الكتابة الإلكترونية.

- التحقق من هوية المتعاقد، بواسطة توقيعه الإلكتروني.

- التحقق من سلامة العقد وبنوده، من ناحية أنه لم يجر عليه أية تعديلات بعد إجراء التوقيع.

بالإضافة إلى الشروط السابقة لا بد من توافر الشروط العامة لتشكيل العقد الإلكتروني وهي القبول والإيجاب والأهلية. وكذلك الرضا، والذي يعد أهم ركن في كل عقد، إذ يجب أن يتحقق لدى كل من طرفي العقد، وذلك بتطابق إرادة مشتركة بين المتعاقدين باقتران القبول بالإيجاب والإرادة التعاقدية، التي تتطلب أهلية الموجب وأهلية القابل.

 

خصائص العقد الإلكتروني

يتميز العقد الإلكتروني عن العقد التقليدي بعدة خصائص نذكر منها:

أولا: التعاقد الإلكتروني والتعاقد التقليدي

إذا كان التعاقد الإلكتروني يتفق مع التعاقد التقليدي في أنهما ينعقدان بتوافق إرادتي المتعاقدين، أي تطابق الإيجاب والقبول، فالثاني يقوم بين شخصين حاضرين من حيث الزمان والمكان حيث يتم تبادل الإيجاب والقبول في مجلس العقد بالمواجهة، وهو ما يقتضي الوجود المادي لكل من طرفي التعاقد في مكان واحد، ولا يتحقق ذلك في التعاقد الإلكتروني؛ حيث وجود المتعاقدين في مكانين منفصلين، بل قد يفصل بينهما مئات أو آلاف الأميال، ومن ثَم يعد التعاقد التقليدي تعاقدًا بين حاضرين، بينما الانفصال المكاني في التعاقد الإلكتروني يجعل منه تعاقدًا ذي طبيعة خاصة.

ثانيا: التعاقد الإلكتروني عن طريق التلفزيون

يعرف البعض التعاقد عن طريق التلفزيون بأنه عبارة عن "طلب سلعة أو منتج بواسطة الهاتف أو المينتل، تاليا على عرض المنقول بواسطة وسائل الاتصال السمعية المرئية (التليفزيونوإذا كان التعاقد الإلكتروني والتعاقد عن طريق التليفزيون يتشابهان في أن الرسالة المنقولة هي نفسها بالنسبة لجميع العملاء، إذ تتم بالصوت والصورة، إلا أن الإعلام في التعاقد عن طريق التليفزيون يكون عبر الإذاعة المرئية المسموعة، والجوهري في هذا الإعلام أنه وقتي أي يزول سريعا، حيث لا يستمر إلا مدة الإذاعة فقط، أما الإعلام في التعاقد الإلكتروني فيظل قائما طوال اليوم خلال أربعة وعشرين ساعة، ويكون الاستعلام عن التفاصيل من خلال تصفح صفحات الموقع على الإنترنت.

ثالثا: الطابع التجاري الاستهلاكي

يتصف العقد الإلكتروني غالبًا بالطابع التجاري الاستهلاكي، لذلك يطلق عليه عقد التجارة الإلكترونيـة، وقد جاءت تلك الصفة من السمة الغالبة لذلك العقد؛ حيث تستحوذ عقود البيع الإلكترونية على الجانـب الأكبر من مجمل العقود ويترتب على ذلك اتسام العقد الإلكتروني بطابع الاستهلاك، كونه غالبًا ما يـتم بين تاجر أو مهني ومستهلك، ومن ثَمّ فإنه يعد في الغالب من قبيل عقود الاستهلاك.

رابعا: الطابع الدولي

يتسم العقد الإلكتروني بالطابع الدولي، وذلك نتيجة الطابع العالمي لشبكة الإنترنت وما يترتب على ذلك من جعل معظم دول العالم في حالة اتصال دائم، بما يسهل العقد بين طرف في دولة وطرف آخـر فـي أخرى، ويثير الطابع الدولي للعقد الإلكتروني العديد من المسائل، كمسألة بيان مدى أهلية المتعاقـد للتعاقد وكيفية التحقق من شخصية المتعاقد الآخر ومعرفة حقيقة المركز المالي لـه، وتحديـد المحكمـة المختصة وكذلك القانون الواجب تطبيقه على منازعات إبرام العقد.

خامسا: حق العدول

العقد الإلكتروني عقد مقترن بحق العدول؛ إذ من المقرر وفقًا للقواعد العامة وبموجب القـوة الملزمـة للعقد، أن أيًا من طرفي التعاقد لا يستطيع أن يرجع عنه، فمتى تم اِلتقاء الإيجاب والقبول أُبـرم العقـد، ولكن يحق العدول لعدم تمكن الطرف من معاينة السلعة

 

وسائل إثبات العقود الإلكترونية

من الثابت أن النجاح في مجال التجارة الإلكترونية يحتاج إلى تطوير التشريعات القائمة التي صيغت نصوصها على أساس استخدام الأوراق في كتابة العقود، وضرورة توقيع هذه العقود مـن المتعاقـدين، ممـا يستلزم وضع الضوابط القانونية حتى يمكن تهيئة المناخ المناسب لنمو تلك التجارة وإزالة ما يُفرض عليها من صعوبات قانونية، ولما كانت المعاملات الإلكترونية تعتمد أساسا على وسائل الاتصال وأجهزة الكمبيوتر فقـد اهتمت الدول بوضع تنظيم قانوني لتلك المعاملات،كما اعتمدت لجنة الأمم المتحدة لقانون التجـارة الدوليـة المسمى "بالأونسترال" مشروع قانون نموذجي بشأن التجارة الإلكترونية في عام 1996 م، وأوصت من خلاله الدول بالأخذ بعين الاعتبار عند تطوير التشريعات الوطنية المنظمة لاستخدام بدائل الأشكال الورقية للاتصال أي البدائل رقمية وتخزين المعلومات.

وبما أن العقد الذي يبرم عن طريق الشبكة المعلوماتية يقوم على تبـادل البيانـات إلكترونيـًا، حيث دعامات غير ورقية داخل أجهزة الاتصال أو خارجها، والتوقيع عليها ممن يرسل الرسالة الإلكترونية بواسطة التوقيع الالكتروني، فسيتم التطرق إلى مفهوم كل مـن المحـررات الإلكترونيـة والتوقيـع الالكتروني ودورهما في إثبات العقد الالكتروني.

 

المحررات الإلكترونية

عُرف المحرر الإلكتروني من خلال رسالة البيانات الإلكترونية بأنـه (معلومـات إلكترونيـة ترسل أو تسلم بوسائل إلكترونية أيًّا كانت وسيلة استخراجها في المكـان المـستلمة فيـه، أو أنـه البيانـات والمعلومات التي يتم تبادلها من خلال وسائل إلكترونية سواء كانت من خلال شبكة الإنترنت أم مـن خـلال الأقراص الصلبة أو شاشات الحاسب الآلي أو أية وسائل إلكترونية)، هذا التعريف أعطى المحرر الإلكترونـي مجالًا واسعًا بحيث لم يقتصر على شبكة الإنترنت بل أجاز ذلك بوسائل إلكترونية أخرى، كأن تكـون رسـالة بيانات مرسلة عن طريق الفاكس أو التلكس أو أي وسيلة تقنية متاحة في المستقبل.

 

شروط المحرر الإلكتروني

لكي يكتسب المحرر الإلكتروني الحجية الكاملة بالإثبات وإمكان مساواته بالمحررات التقليديـة فـي القوة القانونية لا بد من توافر عدة شروط له وهي

- أولاً: الكتابة

إن الكتابة على المحرر الإلكتروني تكون على شكل معادلات خوارزمية، تنفذ عبر عمليات إدخال البيانات وإخراجها، من خلال شاشة الحاسب الآلي أو أية وسيلة إلكترونية أخرى، بحيث تتم مـن خـلال تغذية الجهاز بهذه المعلومات عن طريق وحدات الإدخال التي تتبلور من لوحة المفاتيح أو أية وسيلة تـتمكن من قراءة البيانات واسترجاع المعلومات المخزونة في وحدة المعالجة المركزية أو أي قرص مرن مـستخدم، وبعد الفراغ من معالجة البيانات التي كُتبت على أجهزة الإخراج، المتمثلة في شاشة الحاسب وطباعـة هذه المحررات على الطابعة أو الأقراص الممغنطة أو أية وسيلة من وسائل تخـزين البيانـات، ونذكر هنا تعـريف المشرع المصري للكتابة الإلكترونية بأنها (كل حروف أو أرقام أو رموز أو أية علامات أخرى تثبت علـى دعامات إلكترونية أو رقمية أو صوتية أو أية وسيلة أخرى مشابهة وتعطي دلالة قابلة للإدراك).

- ثانياً: قابلية المحرر الإلكتروني للاحتفاظ بالمعلومات الواردة فيه

 يشترط في الكتابة كي يعتد بها أن يتم تدوينها على وسيط يسمح بثبات واستمرار بقاء الكتابة عليه، وذلك لكي يتسنى الرجوع إليه في حالـة نشوب خلاف، إلا أن الحال يختلف في حالة استخدام وسيط إلكتروني بسبب خصائصه المادية، والتي تكون عقبة أمام تحقيق هذا الشرط؛ إذ إن الشرائح الممغنطة وأقراص التسجيل المستخدمة في عملية التعاقد تكون معرضة للتلف عند أدنى اختلاف في قوة التيار الكهربائي أو الاختلاف الشديد فـي درجـة حرارة تخزين هذه الوسائط، ولكن تم تجاوز تلك الصعوبات عن طريق استخدام أجهزة ووسائل أكثـر قـدرة على الاحتفاظ بالمعلومات لمدة طويلة قد تفوق الأوراق العادية، التي قد تتأثر بعوامل الزمن، وبعد التغلب علـى عقبة الاحتفاظ بالمحرر المكتوب لفترة طويلة تسمح بالرجوع إليه كلما كـان ذلـك لازمـًا، أمكـن للتكنولوجيا الحديثة وخاصة شبكة المعلومات أن تتفوق بما تحفظه من سجلات ومحـررات إلكترونيـة علـى المستندات الورقية العادية.

- ثالثاً: إمكانية الاحتفاظ بالمحرر الإلكتروني

هذا الشرط يقابل شرط إثبات الكتابة وعـدم القابليـة علـى التعديل إلا بإتلاف المحرر أو ترك أثر مادي عليه فيما يتعلق بحجية السند الورقي العادي في الإ ثبـات، إذ إن قيمة المحرر الكتابي أو السند الورقي تقدر بسلامة محتواه أو بقدر ما أُدخل عليه من تعديلات، والذي لا يكـاد يشكل أي صعوبة في كشفه بالنسبة للمحررات المدونة بالأحبار المنتشرة على الورق، وإذا كانت الكتابة علـى الوسائط الإلكترونية في البداية قابلة للتعديل أو إعادة التنسيق من قبل أطراف المعادلـة دون أن يكـون لهـذا التعديل أثر مادي يمكن ملاحظته فإن التطور التكنولوجي تغلب على ذلك عن طريق استخدام حاسب إلكتروني يسمح بتحويل النص الذي يمكن تعديله إلى صورة غير قابلة للتعديل أو المحو، كما تم ابتكار طريقـة لحفـظ المحررات الإلكترونية في صيغتها النهائية بشكل لا يقبل التعديل أو التبديل، وذلك من خلال حفظها فـي صناديق إلكترونية لا يمكن فتحها إلا بمفتاح خاص، بحيث تؤدي أي محاولة لتعديل المحرر إلى إتلاف فحـواه تماما.

 

حجية المحررات الإلكترونية:

لقد اختلف الفقه في مدى إضفاء الحجية على مستخرجات الحاسوب في الوقت الذي تعددت فيه هذه المخرجات وتطورت نتيجة لتطور أجهزة الحاسوب، الأمر الذي أثر في مدى قبولها للإثبات.

وهناك العديد من تشريعات الدول في إطار إصدار قوانين تنظم التعامل الإلكتروني منحت القوة الثبوتية للمحرر الإلكتروني، في هذا الصدد نجد المشرع المصري وبعد صدور قانون ينظم التوقيع الإلكتروني جعل للمحررات الإلكترونية ما للمحررات الكتابية، بحيث جاء في المادة 15 من قانون رقم 15 المنظم للتوقيع الإلكتروني سنة 2004 "للكتابة الإلكترونية وللمحررات الإلكترونية الرسمية والعرفية في نطاق المعاملات المدنية والتجارية والإدارية، ذات الحجية المقررة للكتابة والمحررات الرسمية والعرفية في أحكام قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية متى استوفت الشروط المنصوص عليها في هذا القانون"

وبالرجوع إلى المادة 11 من قانون الإثبات المصري نجدها نصت على أن: "المحررات الرسمية حجة على الناس كافة بما دون فيها من أمور قام بها محررها في حدود مهمته".

ولقد أعطى قانون الأونسترال النموذجي الحجية للمعلومات التي تكون في شكل رسالة بيانات الإثبات مع وضع ضوابط في الطريقة المستخدمة عند إنشاء أو تخزين أو إبلاغ رسالة بيانات، مع المحافظة على سلامتها بالتصديق عليها، وضرورة معرفة هوية منشئها وأي عامل آخر يتصل بتلك البيانات. ويضيف هذا القانون تأكيد أن التصرفات المبرمة عبر الإنترنت لا يمكن الطعن في صحتها لمجرد أنها تمت عن هذا الطريق؛ إذ الوثيقة الإلكترونية كالوثيقة المكتوبة العادية في مجال إبرام العقود الإلكترونية بشرط أن يكون من السهل الوصول إلى تلك الوثيقة فيما بعد.

يتضح من خلال ما سبق أن كل هذه التشريعات تعترف بحجية المحررات الإلكترونية وتمنحها ما للمحررات الرسمية من قوة ثبوتية؛ أي تساوي بين المحرر الإلكتروني والمحرر الرسمي.

 

التوقيع الإلكتروني

كي يكون العقد الإلكتروني ذو قيمة قانونية وينتج آثاره لا بد من التوقيع عليه، وإذا كان العقد الذي يبرم بصورة تقليدية يتم التوقيع عليه عن طريق الإمضاء أو البصمة أو الختم فإن العقد الإلكتروني يتم التوقيع عليه عن طريق استخدام التوقيع الإلكتروني. وهذا ما سنتناوله في هذه المطلب:

عرفت لجنة أعمال التجـارة الدولية التابعة للأمم المتحدة عام 1996  التوقيع الإلكتروني بأنه عبارة عن مجموعة أرقام تمثل توقيعًا على رسالة معينة بحيث يتحقق هذا التوقيع مـن خـلال الإجراءات الحسابية المرتبطة بمفتاح رقمي خاص بالشخص المرسل، ومن خلال الضغط على هـذا الأرقـام الخاصة لمستخدم الشبكة المعلوماتية يتكون التوقيع الإلكتروني.
 في حين عرفه المشرع الإماراتي بأنه (توقيع مكون من حروف أو أرقام أو رمـوز أو صـوت أو نظـام معالجة ذي شكل إلكتروني وملحق أو مرتبط منطقيًا برسالة إلكترونية وممهور بنية توثيق أو اعتماد الرسالة)

 

 صور التوقيع الإلكتروني

كما تتعدد صور التوقيع التقليدي إما بالإمضاء أو بالختم أو بالبصمة فإن التوقيع الإلكتروني هـو الآخـر تعددت صوره؛ فهو أما يتم بالقلم الإلكتروني أو بالبصمة الإلكترونية أو يكون توقيعًا رقميًا، وهذه الـصورة تختلف فيما بينها من حيث درجة الثقة ومستوى ما تقدمه من ضمان، وذلك بحسب الإجـراءات المتبعـة فـي إصدارها وتأمينها والتقنيات التي تنتجها.

- التوقيع بالقلم الإلكتروني

يتم هذا التوقيع عن طريق نقل التوقيع المحرر بخط اليد بالماسح الضوئي، ثم تخزينه في جهاز الحاسب الآلي، ومن ثم نقل هذه الصورة إلى العقد الذي يراد إضافة التوقيع إليه لإعطائه الحجية اللازمة، ويمتاز هذا التوقيع بمرونة وسهولة استعماله؛ حيث يتم من خلالها وبشكل بـسيط ويـسير تحويل التوقيع التقليدي إلى الشكل الإلكتروني عبر أنظمة معالجة المعلومات، رغم ذلك قد يتسبب هذا التوقيـع في العديد من المشاكل مثل إثبات الصلة بين التوقيع والمحرر الإلكتروني؛ إذ يستطيع المرسل إليه الاحتفاظ بنسخة من صورة التوقيع التي وصلته على إحدى المحررات ثم يقوم لاحقًا بإعادة وضعها على أي محرر، مدعيًا أن واضعها هو صاحب التوقيع الفعلي، بما يجعل التوقيع بالقلم الإلكتروني طريقة تخلو من أدنى درجات الأمـان الواجب تحققها في التوقيع الإلكتروني.

- البصمة الإلكترونية

هي بصمة رقمية يتم اشتقاقها بناءً على خوارزميات الحسابات الرياضية على الرسالة المكتوبة، لتوليد بصمة تمثل ملفًا كاملًا أو رسـالة تـدعى البيانـات على معـادلات خوارزميـة، حيث تطابـق هـذه الناتجة البصمة الإلكترونية للرسالة، فالبصمة الإلكترونية مكونة من بيانات لها طول ثابت، وتستطيع تمييز الرسالة الأصلية والتعرف عليها بدقة وتمييزها عن المزورة في حالـة إحـداث أي تغير في الرسالة، فالتغير سينتج عنه بصمة مختلفة عن الأصلية اختلافًا تامًا، ومن غير الممكن اشتقاق البصمة الإلكترونية ذاتها من رسالتين مختلفين، وللبصمة الإلكترونية عدة أنواع؛ فهي بـصمة بالصوت أو بصمة بالأصابع أو بقزحية العين.

- التوقيع الرقمي 

هو توقيع يتم إنتاجه باستخدام تقنيات التشفير، عبارة عن قيمة عددية تـصمم بها رسالة البيانات، وهذه القيمة العددية يتم الحصول عليها باستخدام ذلك المفتاح، وهـذا التوقيع الرقمي يتم استخدامه لتحديد هوية طرفي العقد تحديدًا تامًا ومميـزًا، كمـا يتضمن عدم إمكانية تدخل أي من الطرفين.

 

حجية التوقيع الإلكتروني في الإثبات

بعد أن كان التوقيع اليدوي في فترة من الفترات أفضل طريقة للتوقيع، أصبح غير ملائم للصور الحديثة والتعاملات التي أخذت الشكل الإلكتروني، والتي يتعذر معها توافر التوقيع اليدوي، لذلك ظهر بديلاً عنه التوقيع الإلكتروني، وقد بذل الفقه جهودًا كبيرة لمحاولة جعل مفهوم التوقيع يتسع ليشمل التوقيع الإلكتروني باعتبار أن التوقيع الذي لم تعرفه القوانين هو وسيلة للتعبير عن إرادة صاحبه، وبالتالي لا يشترط خط اليد، وإذا ارتبط التوقيع باعتباره دليلًا للإثبات بالكتابة يتم إسباغ الحجية القانونية عليه (التوقيع الإلكتروني)، حيث تتوافر في الرسالة أو المحرر المراد تصديقه بالتوقيع شروط الدليل المكتوب باعتباره وسيلة للتوثيق، ذلك بالإضافة إلى الشروط اللازم توافرها في التوقيع ذاته، والتي تمكنه من أداء وظيفته حيث تحديد الشخصية الموقع أو إقرار بمضمونه المحرر ونسبته إلى الموقع.

والشروط التي يلزم توافرها لتحقيق الدليل الكتابي هي أن يكون الدليل مقروء ومستمرًا وغير قابل للتعديل ومع التقدم التقني أمكن للمستندات الإلكترونية كما لاحظنا أن تستوفي الشروط الواجب توافرها لتحقيق الدليل الكتاب الذي يتمتع بالحجية في الإثبات، أما الشروط الواجب توافرها في التوقيع ذاته ليتمتع بالحجية القانونية في الإثبات فيمكن ردها إلى الدور أو الوظيفة التي يؤديها التوقيع؛ وهي تحديد هوية الموقع الذي يستند إليه الدليل أو المستند والتعبير عن إرادة الموقع في الالتزام بما وقع عليه.

وتتفق جميع التشريعات على ضرورة توافر شروط معينة تعزز من هذا التوقيع، وتوفر فيه الثقة حتى يتمتع بالحجية، وتدور هذه الشروط حول كون التوقيع مقصورًا على صاحبه وخاضعًا لسيطرته الفعلية وقابليته للتحقق من صحته مع ارتباطه بالبيانات التي يثبتها.

 

الضمانات المتعلقة بالتشفير الإلكتروني:

التشفير يعد وسيلة لضمان سلامة تبادل المعطيات القانونية بطريقة إلكترونية أو تخزينها وهما معا بكيفية من شأنها أن تضمن سريتها ومصداقيتها، وقد عرفه المشرع الفرنسي من خلال المادة 28 من القانون رقم 90-1170 بتاريخ 29 ديسمبر 1990 الذي جاء فيها: "التشفير هو جميع الخدمات التي تسعى إلى تحويل، من خلال اتفاقات سرية، معلومات أو إشارات واضحة إلى أخرى غير مفهومة من قبل الأغيار أو إلى إنجاز عكس هذه العملية باللجوء إلى وسائل أو معدات أو برامج معلوماتية مسيرة لهذه الغاية" ويتضح أن الصياغة الواردة في النص الفرنسي هي أبلغ تعبيرًا من نص المشرع المغربي على اعتبار أن التشفير هو خدمات تنتج عن استخدام الوسائل والمعدات أو البرامج المعلوماتية لهذه الغاية، وليس تلك الوسائل والمعدات بذاتها.

كما أن المشرع المصري عرف التشفير في قانون المعاملات الإلكترونية المصري الصادر عام 2001 بأنه: "تغيير في شكل البيانات عن طريق تحويلها إلى رموز أو إشارات لحماية هذه البيانات من إطلاع الغير عليها أو من تعديلها أو تغييرها".

ويمكن القول أن التشفير هو وسيلة أو تقنية جديدة تسمح بحجب المعلومات والبيانات محل التشفير مؤقتًا ومنع الدخول إليها وفك رموزها واستخدامها لشخص معين، من خلال رقم سري خاص يتم تزويده به من قبل المرسل لهذه المعلومات.

وظائف التشفير تتمحور حول ضمان سلامة المعطيات القانونية وذلك عن طريق: ضمان سريتها ومصدقيتها ومراقبتها عند تبادلها أو تخزينها أو تبادلها وتخزينها معا.

ومن المعلوم أن التجارة الإلكترونية تعتمد اعتمادًا كبيرًا على شبكة الإنترنت في التواصل وتبادل البيانات اللازمة لهذه التجارة، فالإنترنت يشكل الوسيط الأضخم والأسهل لنقل المعلومات والتبادل ونقل البيانات الحساسة فلابد من نقلها من خلال صيغة مشفرة لكي لا يتمكن الغير من الاطلاع عليها وإحداث أي خلل في العلاقة العقدية القائمة نتيجة كشف بعض البيانات التي يسعى طرفا العلاقة للحفاظ عليها ويتم الحفاظ على سلامتها وتأمينها من عبث الغير باستخدام التشفير في نقل وتبادل البيانات.

إن استيراد وسائل التشفير أو تزويدها أو استخدامها أو تقديم خدمات متعلقة بها، مقيد بمشروعية الأهداف المتوخاة من التشفير بالحفاظ على مصالح الدفاع الوطني وأمن الدولة الداخلي والخارجي.

من خلال دراستنا للعقود الإلكترونية تبين لنا أن هذه الأخيرة لا تختلف عن العقود التقليدية إلا في وسيلة مباشرتها، وبالتالي فهي تخضع للقواعد العامة التي تحكم العقود بشكل عام وبما أن العقود الإلكترونية هي من عقود المسافة التي تتم عن بعد، فيستدعي هذا حماية المستهلك، لأن هذا النوع من العقود متميز عن غيره من العقود، بسبب خصوصية الوسيلة المستخدمة والتي لا تتيح التلاقي المادي بين المتعاقدين، وبالتالي عدم القدرة على التأكد من صفة وأهلية المتعاقد الآخر، مما كان من الضروري إصدار قوانين تهدف إلى تعزيز هذه الحماية كحق الإعلام ورخصة التراجع عن العقد، وقد لاحظنا خلو قانون التبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية المغربي من نصوص تتعلق بهذه الحماية

كما لاحظنا أن أغلب التشريعات المقارنة اعترفت لها بالحجية بإضافة إلى اعترافها بالتوقيع الإلكتروني وحجيته في الإثبات، ويمكن القول أخيرا إنه بالرغم من الإشكالات التي تعتري العقود الإلكترونية، فقد أصبحت لها مكانة جد مهمة نظرا لحجم التجارة الدولية، بما دفع بالتشريعات المقارنة التي تضمن هذا النوع من التجارة إلى توفير مجموعة من القواعد والآليات لحماية هذه الحقوق سواء على مستوى المدني أو على مستوى الجنائي.

 

 

المصادر والمراجع:

Baydaa kadhim faraj, Adil Ajeel Ashour, Electronic contract and proof argument, palarch’s Journal of Archaeology of Egypt/Egyptology, 17-8-2020

العقد الإلكتروني، د. أبا الخيل ماجد سليمان، الطبعة الأولى: 1428/2009م، مكتبة الرشد – الرياض

التجارة الإلكترونية سرعة قياسية وتكاليف أقل، إعداد: تريز منصور، موقع الجيش اللبناني، العدد 261 - آذار 2007.

العقد الإلكتروني ووسائل إثباته، بيان سيف الدين محمود، مجلة جامعة بابل للعلوم الإنسانية، المجلد 27، العدد 7:2019، 1-2-2020 :

العقد الإلكتروني ووسائل إثباته، جامعة محمد الخامس- السويسي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، الرباط.

إبراهيم خالد ممدوح: إبرام العقد الإلكتروني دراسة مقارنـة، ط 1، الإسـكندرية، دار الفكـر الجـامعي، 2006م.

إقرأ أيضاً

شارك أصدقائك المقال

ابقى على اﻃﻼع واشترك بقوائمنا البريدية ليصلك آخر مقالات ومنح وأخبار الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ

ﺑﺘﺴﺠﻴﻠﻚ في ﻫﺬﻩ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ البريدية، فإنَّك ﺗﻮاﻓﻖ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻼم اﻷﺧﺒﺎر واﻟﻌﺮوض والمعلوﻣﺎت ﻣﻦ الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ - Political Encyclopedia.

اﻧﻘﺮ ﻫﻨﺎ ﻟﻌﺮض إﺷﻌﺎر الخصوصية الخاص ﺑﻨﺎ. ﻳﺘﻢ ﺗﻮفير رواﺑﻂ ﺳﻬﻠﺔ لإﻟﻐﺎء الاشترك في ﻛﻞ ﺑﺮﻳﺪ إلكتروني.


كافة حقوق النشر محفوظة لدى الموسوعة السياسية. 2024 .Copyright © Political Encyclopedia